أخرج الطبري بعدة أسانيد إلى ابن عباس، قال: التفسير أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامه، وتفسير لا يعذر أحد العلماء بجهالته، وتفسير يعلمه العلم، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه تعالى1.

لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله لم يخترع لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده، وأنه كلم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه، وليتدبروا آياته فيأتمروا بأوامره، ويزدجروا بزواجره، وقد تكرر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك، ـ كقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾1.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(1).

لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر، بلفظ التحريم صريحًا، وإنما هو أمر بالاجتناب عنه أو مما ينبغي الانتهاء منه، مما هو ظاهر في الإرشاد إلى حكم العقل محضًا، الأمر الذي قد يوهم أنها غير محرمة في شريعة الإسلام، ومن ثم سأل المهدى العباسى الإمام موسى بن جعفر(ع) عن ذلك، قال: هل هي محرمة في كتاب اللّه عز وجل؟

قال تعالى: { ... فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا ... } ، وقال : { ... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ... } . كيف يلتئم ذلك مع قوله : { ... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } ، وقوله : { ... لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } ؟! .

إن القرآن، وإن سلم إعجازه، إلا أنه لا يكشف عن صدق نبوة من جاء به، لأن قصص القرآن تخالف قصص كتب العهدين التي ثبت كونها وحيًا إلهيًّا بالتواتر.

لقد تحدى القرآن جميع البشر، وطالبهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطع أحد أن يقوم بمعارضته، ولما كبر على المعاندين أن يستظهر القرآن على خصومه، راموا أن يحطوا من كرامته بأوهام نسجتها الأخيلة حول عظمة القرآن، تأييدًا لمذاهبهم الفاسدة.

أصبحت نتيجة الفصل السابق أنّ القرآن كتاب الهداية الإلهية، ونحن جميعاً مكلّفون بالإيمان به وأن ندير حياتنا ومجتمعنا على أساس توجيهات القرآن، لننال السعادة في الدنيا والآخرة، وذلك بالعمل بتعاليمه وأحكامه، واتخاذه أسوة على صعيد الحياة الفردية والاجتماعية،

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

يؤكّد القرآن الكريم على حقيقة مهمة وهي أنّ مصير البشرية سيؤول إلى انتصار الحقّ حتماً، وذلك لأنّه سيظهر أفراد في المجتمع يضحّون بكلّ وجودهم ويبذلون الغالي والنفيس في نصر الإسلام والحقّ وإذلال الكفر والباطل، ولذلك يحذر اللّه سبحانه البعض من الناس أنّهم في حالة انحرافهم عن الطريق القويم والصراط المستقيم وارتدادهم إلى وادي الجهل والانحراف،

لقد أولى القرآن هذه المسألة اهتماماً خاصاً وأشار إليها في آيات كثيرة ووضح وبصورة تامة مستقبل البشرية وما يؤول إليه مصير العالم، فإذا ما جمعنا تلك الآيات ودرسناها دراسة شاملة وبإمعان وتأمّل فستتّضح لنا حينئذ النظرية القرآنية في هذا المجال، ولذلك سوف نستعرض هذه الآيات التي تحدّثت عن هذه المسألة

إذا كان الناس يطلبون العدالة وينفرون من الظلم، فعليهم تعلم سبيل النضال ضد الظلم من القرآن. وإذا كان الناس يطلبون العلم ويرومون عن طريق المعرفة والاطلاع والعلم تطوير حياتهم وتحقيق الراحة والرفاه لأنفسهم فإن القرآن يدل علی السبيل إلی ذلك. وإذا كان الناس ينشدون الاتصال بالله تعالی والصفاء المعنوي والروحي والتعرف علی مقام القرب الإلهي فالسبيل إلی ذلك هو القرآن الكريم.